التغير التربوي أهداف ومفاهيم
لماذا وُضِع هذا العنوان بهذا الشكل؟ ولماذا تم إضافة كلمة التربوي إلى كلمة التغيير؟ ألا يكفي القيام بالتغيير وفقط؟ أم لابد من هذا الوصف التربوي؟
الحقيقة أن المشكلة التي تتجلى اليوم على الساحة الإسلامية أن الكثير من العاملين للإسلام يحاولون من أوجهٍ عدة التغييرَ بأيِّ شكل كان، وبأيِّ صورة كانت.. دون النظر إلى المردود الذي يجب أن نحصل عليه بعد عملية التغيير.. ومن هنا لابد وأن يكون التغيير الذي نقوم به تغييرًا تربويًًّا في المقام الأول.. وقد لفت الإمام "البنا"- رحمه الله- أنظارنا إلى هذا البعد في عملية التغيير حينما خاطبنا بمقولته الخالدة: "إن معركتنا معركة تربوية"؛ ليغرس فينا هذه المعاني الأساسية، بأن أيَّ تغيير لا يقوم على عمل تربوي إنما هو سرابٌ خادعٌ، وأدرك الامام "البنا" أن بناء الرجال هو أهم ما ينبغي أن يُعنَى به المصلحون.
ولعل من أهم المميزات التي تميز دعوة الإخوان عن غيرها أنها انتهجت النهج التربوي؛ الذي يحقق التفاعل والتوريث الدعوي، وكان أروع ما وصفت به الجماعة أنها "جماعة تربوية"، وهذا الوصف يحتاج إلى تفصيل..
فكلمة جماعة تعني أمورًا عدة:
• أنها مجموعة من الأفراد.. أي لابد من كونها دعوةً تجميعيةً يلتف حولها الأنصار، ويحدث لهم التوريث الدعوي.
• تعمل بشكل مشترك في تجانس فريد.. الكل يشعر أنها دعوته، هي جزء منه وهو جزء منها.
• لتحقيق هدف محدد؛ حتى لا تختلف القلوب وتتوزع في أنحاء شتى.
• تتميز بوحدة الاتجاه، وبالتالي التناسق التام في كل شكل من أشكال العمل؛ مما يعين على عدم اختلاف التوجُّه أو الوجهة.
• تعمل في تماسك، فهناك تعاون بنَّاء بين الجميع، أشبه بخلية نحل.
• منظمة ومستمرة؛ فالتنظيم والاستمرارية أمور مهمة تعد من ثوابت بقائها.
وكلمة تربوية تعني أيضًا أمورًا عدة:
• واقعية.. تبدأ مع النفس من حيث هي، وتخاطبها وفق واقعها المحيط بها.
• مرنة.. تتلاءم مع ظروف العمل للدعوة وللأفراد وللمجتمع المحيط.
• حركية.. فهي تقوم على التربية الميدانية التفاعلية، لا على التوجيه الفكري أو النظري.
• عميقة.. فهي ليست أشكالاً سطحية للتربية الهشة؛ بل تغوص في أعماق النفس البشرية ومكنونات تلك النفس.
ومن هنا نعيد التساؤل: هل نحن بحاجة حقًّا إلى التغيير؟ وما الذي نريد تغييره فينا؟ وكيف السبيل إلى التغيير المنشود؟ وهل التغيير شاق؟!
نعم.. التغيير التربوي شاق
1- وذلك لأننا نتعامل مع النفس البشرية، والتي هي نفس تفسد وتسفك الدماء وتأمر بالسوء، نفس وصفها القرآن بأنها.. ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ (يوسف: 53)، فلا بد بدايةً من تذكُّر أن عملية التغيير عملية شاقة، وليست بالعمل الهيِّن؛ ولذلك قال لنا شهيد القرآن سيد قطب- رحمه الله- : إن حَمل الجبال وتجفيف البحار أهونُ من تربية الرجال.
2- لأن الإنسان يقف بين نفسين: نفس أمارة بالسوء، ونفس مطمئنة، والتغيير التربوي الناجح هو الذي يجعل الإنسان يميل إلى النفس المطمئنة بدلاً من النفس الأمَّارة بالسوء.
3- والتغيير عملية شاقة؛ لأنها لا تسير في درب مفروش بالورود، فكما أننا نقوم بالتغيير التربوي، فهناك أيضًا من يقوم بالتغيير المعاكس، فالفرد الذي نقوم بتربيته ومحاولة تغييره تربويًّا يمارس عليه نوعان من التربية: تربية صالحة، وتربية طالحة.
• تربية صالحة، وتغيير صالح، وهي التي يقوم به كل من يعمل عملاً إسلاميًّا، ويساهم في عملية البناء التربوي للمجتمع من كافة تيارات العمل الإسلامي.
• تربية طالحة وتغيير طالح.. يقوم به شياطين الإنس والجن والبيئة الطالحة المحيطة بالفرد، فتساهم مساهمة عكسية في التغيير بما في ذلك: (وسائل الإعلام، والمناهج التعليمية بالمدارس... إلخ).
4- لأن عملية التغيير التربوي تمرُّ أيضًا بممارستين، إحداهما إيجابية والأخرى سلبية..
• التغيير الإيجابي: وهو التغيير الذي نقوم به من خلال ممارسة صحيحة للتغيير المنشود، وعلى أكمل وجه.
• التغيير السلبي: وهو ناتج من صورتين.. إحداهما من الداخل حينما نربي؛ ولكن على غير ما هو مقصود ومنشود، والصورة الثانية من أي تغيير يقوم به غيرنا، فهو يغير وفق ما يعتقد هو ووفق ما رسمه، وقد يصب تغييره في غير ما نريد، فيكون بذلك تغييرًا سلبيًّا؛ لأنه يحقق أهدافًا مغايرة.
ومن هنا فإن نتاج عملية التغيير التربوي تتأثر بعمليتي جمع وطرح بين موجبين، وهما: (التربية الصالحة، والتربية الإيجابية)، وسالبين، وهما: (التربية الطالحة، والتربية السلبية)..
ونتائج التغيير التربوي= (تربية صالحة+ تربية إيجابية )- (تربية طالحة+ تربية سلبية)، والتي ربما تكون خلاصتها نسبة50% بعد الجمع والطرح؛ ولذلك فهي تربية شاقة.
خصائص عملية التغيير التربوي:
1- ربانية: فإن أي عمل تغييري نقوم به إنما نقوم به من منطلقات ربانية، وتحكمنا ربانية الدعوة التي ننتمي إليها، ومن ميزة الربانية التي تتسم بها دعوتنا أنها ربانية المصدر، بمعنى أنها تتلقَّى أوامرها من الله، وتسير وفْق مراد الله، وما أوجبه الله علينا، وربانية الوجهة: ومعناها أننا نبتغي بكل عمل نقوم به وجه الله وابتغاء مرضاته، ومن هنا فإننا برآء من مقولة (الغاية تبرر الوسيلة)؛ لأننا محكومون بأن نجعل الوسيلة ربانيةً أيضًا، فلا ننهج في التغيير أي وسيلة مرفوضة شرعًا، ولو كانت مؤدية لتحقيق الغاية الربانية.
2- شمولية: فإن التغيير الذي يجب أن نقوم به في عملنا التربوي هو تغيير شامل يتناول كل مكونات النفس البشرية (معرفة- وجدان- سلوك)، فيعطي التغيير كل واحدة من هذه المكونات حقها في التغيير حتى تكتمل عملية التغيير التربوي، وإلا كان التغيير الذي نقوم به تغييرًا مشوَّهًا، ونتج عنه شخصية مشوهة في التغيير.
3- وسطية: فلا إفراط ولا تفريط فيها، لا تميل إلى جانب على حساب جانب، ولا تبالغ في أمر دون أمر، تأخذ الأمور بوسطية واعتدال وتوازن.
4- إنسانية: فهي تتعامل مع نفس بشرية لا مع جمادات، تأخذ في سيرها بالسنن الإلهية في التعامل مع النفس البشرية، وأن هذه النفس لها مقومات وخصائص ومشاعر وأحاسيس يجب أن تراعَى.
5- متدرجة: تنتقل في خطواتها ومراحلها التغييرية وفق معايير متدرجة، ووفق خطوات مدروسة ومرسومة وواضحة المعالم، لا تتعجل النتائج، ولا تستبق الأحداث، ولا تتجاوز درجات السلم التربوي للتغيير المنشود، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
6- مستمرة: فهي تبدأ من الميلاد الحققي للنفس البشرية؛ أي لحظة الالتزام الدعوي والتربوي؛ بل وربما تبدأ قبل ذلك في سن الطفولة، ثم تمتد بهذه النفس في مسيرة منتظمة مستمرة حتى الوفاة، فهي عملية تربوية لا تتوقف: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر: 99)، ولا يدعي أحد فيها أنه فوق العملية التربوية مهما كانت منزلته.
7- إيجابية: فهي دعوة للأمل والفاعلية، ترتكز على البحث عن إيجابيات النفس والبدء بها والتركيز عليها ومحاولة تنميتها، وإضفاء روح الإيجابية البناءة، والتفاعل المثمر، وبث روح الأمل في النفوس، والنظر إلى نصف الكوب الممتلئ بالماء لا الفارغ منه.
من هنا نبدأ
إنما نقصد بالتغيير التربوي تغيير الإنسان من حال إلى حال.. في (وجهته وأفكاره، ومشاعره وأحاسيسه، وأهدافه وطرائقه)، تغيير ينفذ إلى الروح والجوهر والمضمون، لا الشكل الظاهري فقط.
وهو بذل جهد مزدوج من الفرد المراد تربيته ومن القائم بالتربية، عبر عملية طويلة ممتدة يتم خلالها صياغة الفرد والأسرة والمجتمع وِفْق منظومة إسلامية متكاملة البناء تراعي مثلث التغيير المنشود في النفس البشرية (المعرفة والوجدان والسلوك) أو (النفس والقلب والجوارح)، فهو منهجٌ للتغيير يبدأ من الفرد.
وللتغيير التربوي المنشود غايتان
1- غاية قريبة: نسعى إليها منذ اللحظة، ونسير في خطوط متوازية وليست متتالية لتحقيقها، وتتمثل في (إصلاح الفرد المسلم- بناء الأسرة المسلمة- إرشاد المجتمع).. كلٌّ وفق شروط تكوينه وتربيته وتغييره، كما وضحها الإمام البنا.
2- غاية بعيدة: قد تكون مرحلة تالية؛ ولكنها لا تغيب، وتتمثل في (إيجاد الحكومة المسلمة- إعادة الخلافة الراشدة- الوصول إلى السيادة وأستاذية العالم) وما ذلك على الله بعزيز.
هدفنا أن تتحقق في الأفراد الصفات الأساسية التي تضمن تجانس البناء الداخلي للعمل الجماعي، وتأهيل الفرد للقيام بالأدوار الداخلية والخارجية المنوطة به.. وهذا يتطلب أمورًا عدة:
1- وجود مقياس تربوي نقيس به تحقُّق الهدف عبر معايير تربوية تقيس ثلاثية الفرد (النفس والروح والجسد).
2- الصفات الأساسية المطلوب تحققها في الأفراد أثناء عملية التغيير التربوي، وقد أجملت رسالة (التعاليم) تلك الصفات.
3- توفر بيئة متجانسة داخل المنظومة التربوية تساعد على تجانس الأفراد.
4- معرفة الأدوار الداخلية والخارجية (الحد الأدنى لها على الأقل)؛ فلا بد من تفعيل الجميع في أعمال دعوية وتربوية، وتلغي من قاموس الدعوة كلمة (بطالة).
معينات على التغيير
1- فردية: (تحقق نسبة من العلم- وضوح تام للفكرة في نفس القائم على التغيير- قدرته على المخالطة والاستيعاب والتأثير- اتصافه بالرفق والتواضع والحلم واللين والحكمة- الثبات على مبادئ الدعوة- والصبر على مشاق العملية التغييرية- والثقة في فتح الله له.. إلخ).
2- جماعية: (مراعاة المؤثرات البيئية المحيطة- إدراك حقائق النفس البشرية وفقه التعامل معها- إدراك فقه العمل الجماعي والحركة الجماعية.. إلخ).
3- اجتماعية: في الفرد والبيئة المحيطة به (تحقق نوع من الانتماء للإسلام- والنصرة له- إبداء التعاون على البر والتقوى.. إلخ).
منقول ينابيع تربويه